أرشيف

(ترجمة) انفجار الوضع في اليمن كابوس بالنسبة للسعودية

ترجمة خاصة بصحيفة ” الشارع “
 
بإستثناء المنطقة العازلة عبر الحدود ، من الصعب ، من نواح عدة ، معرفة من اين تنتهي حدود الدولة السعودية وتبدأ حدود الدولة اليمنية ، لا يزال اليمنيون العاديون، على سبيل المثال، يواصلون رحلاتهم شمالا الى مدينة جدة السعودية على حدود البحرالأحمر، لحضور مجالس الملك عبد الله. يلتمس اليمنيون هناك من العاهل السعودي الهدايا والعطايا النقدية، وينقل البعض عبارة صالح البرجماتية ” اذهبوا وجربوا حظكم “، قائلا لشعبه عن مهمات التسول عبر الحدود.

بطرق عدة سمح كل من صالح والمملكة العربية السعودية للدولة اليمنية ونخبها بالسعي خلف الإعانة السعودية الغنية، على عادتها في تفريق الأموال لتهدئة الإضطرابات وتثبيت الولاءات، بصرف ما يصل الى عدة مليارات من الدولارات سنويا لالاف من زعماء القبائل اليمنية والمسؤولين الأمنيين، والنخب اليمنية الأخرى، فضلا عن الحكومة اليمنية. الا ان تدفق الرعاية السعودية ، بكل المقاييس ، قد انخفض ليصل الى زعماء قبائل اقل بكثير مع الإضطرابات الحالية في اليمن.
 
في هذه الأيام غياب اكبر للحدود، لا يترأس صالح من مبناه الذي يصعب وصفه ظاهريا في العاصمة اليمنية صنعاء، لكن من على سرير المستشفى في العاصمة السعودية الرياض، صالح، الذي يتعالج من آلامة، يتعافى حاليا من محاولة اغتيال جرت له في 3 يونيو، يقوم مساعدوا الرئيس بإرسال تحياته الى قادة العالم في اعياد ميلادهم، في محاولة لإظهار الرئيس اليمني ما زال ممسكا بزمام السلطة، بعد 5 أشهر من انهيار الدولة في اليمن ومقتله الوشيك، لم يعد الرئيس قادرا على امتلاك السلطة السياسية، ولا يستطيع شخصيا ابرازها، قال الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير، وكيل وزارة الخارجية للعلاقات المتعددة الأطراف، ان السعودييون يحثون صالح على التنحي ” بشرف، بدلا عن التنحي وقت الخطر او المضايقة “، لكن الزعيم اليمني الذي يعاني من حروق شديدة لا يزال رافضا توقيع المبادرة السعودية المدعومة لإستقالته، بالنسبة لليمنيين الذين يعانون من شحة كبيرة في الغذاء، والماء والوقود والطاقة في دولة آخذة في الإنزلاق، تعتمد الإجابة على سؤال ما الذي سيأتي بعد التوقف .. جزئيا علي صالح، وكذلك جزئيا على انفسهم، وجزئيا على المملكة العربية السعودية.

يتهم النقاد المملكة العربية السعودية لعقود بالرعاية الهادفة للحكومة اليمنية غير الناضجة ابدا، كي لا تشكل تهديدا دوليا للسعوديين، ويقال ان الملك عبد العزيز قال لأبنائه، وهو على فراش الموت: ” ابقوا اليمن ضعيفة “، في واحد من اثنين من التحذيرات صرح بها مؤسس الدولة السعودية لأبنائه وأحفاده.

في المقابلات يصر المسؤولون السعودييون ومؤيديهم انه حتى لو كانت المملكة العربية السعودية في الماضي تفضل يمنا لا مستقرا جدا ولا غير مستقر، الا ان موقفها تغير الآن. تريد السعودية حالياً حكومة يمنية قوية بما فيه الكفايه لكبح الفوضى الداخلية في البلاد.

قال دبلوماسي غربي : ” السعوديون لا يحبون الفوضى اكثر من اي احد آخر، يمكنهم التعامل مع التغيير، لكن لا يحبون الفوضى … بالنسبة للسعوديين، اليمن مشكلة من الصعب التعامل معها، لا يمكن اصلاحها “.

انصار المملكة العربيه السعودية مستمرون في القول ان السعودية تستحق الثناء لدفعها بالمبادرة الخليجية التي من شأنها ان ترى رحيل صالح حليف السعودية منذ فترة طويلة، على الرغم من صعوبة الوثوق فيه وجلب انتخابات جديدة في اليمن.

لكن هل يمكن ان المملكة العربية السعودية، إحدى اكثر الدول سلبية، ستتسامح مع هذ النوع من التحول إلى الديمقراطية الجامحة التي يطالب بها المتظاهرون في الشوارع في اليمن في الأشهر ال5 الماضية؟

حتى في المملكة العربية السعودية ، يشك العديدون في هذا الأمر.

يقول مازن مطبقاني ، باحث حول اليمن في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية :” كانت الحكومة تستخدم هذا المال دائما للسيطرة على الناس، واسكاتهم، وافاد هذا لفترة طويلة ، إذا كانوا يستطيعون منح حياة جديدة لعلي عبد الله صالح يمكن ان يفعلوا، لأجل ان يعود فهم مغرمون بالطغاة “.
 
يقول عبد الله حميد الدين ، المحلل السياسي في جدة ، انه تحت حكم صالح ، الذي صعد الى الرئاسة عام 1978 ، بدعم من الرياض ، منعت المملكة العربيه السعودية اليمن من احتكار السلطة وسلامة الحدود التي هي من اساسيات الدولة ، من خلال المال الذي يطمس على اعين ولاءات القبائل اليمنية وغيرهم، وعن طريق العمليات الأمنية عبر الحدود.

وقال لي ايضا : ” زيادة الحكم الذاتي للقبيلة يقوض دائما سلطة الحكومة المركزية، هل يوجد مواطنون في العالم يستلمون رواتب من حكومة اجنبية ؟”. يقول حميد الدين انه نتيجة لذلك ، في اليمن ” لم تكن الدولة دولة أبدا، ينظر اليها على انها قبيلة أخرى، تتنافس مع القبائل الأخرى على الموارد، هذا هو المفهوم المدمر الذي حدث في اليمن في السنوات ال20 الماضية “.

يتناول حميد الدين في ال42 من العمر، اليمن من منظار مختلف عن الغالبيه، وهو حفيد في الخط الأخير لأمة الذين حكموا شمال اليمن بشكل متقطع مدة 1100 سنه ، حتى قيام النظام الجمهوري العسكري الذي سبق صالح بالأطاحة بسلطة الإمامه اليمنية في 1962.

بينت الحرب الملكية الجمهورية التي استمرت لمدة 8 سنوات، بين اعمام حميد الدين والقادة في الجمهورية اليمنية العسكرية ، مدى صعوبة ومشقة الحرب في الجبال والكهوف اليمنية، وكيف انه لا يمكن التنبؤ بنتائجها. تدخلت القوات المصرية التابعة للرئيس جمال عبد الناصررمز القومية العربية، في صف قادة الإنقلاب الجمهوري في اليمن، معتقدين أن بإمكانهم هزيمة الملكيين اليمنيين في غضون بضعة اسابيع ، بكتيبة من القوات الخاصة المصرية وبعض الطائرات. لكن كومة الحرب الباردة تخللتها تحالفات غريبة، الولايات المتحدة، والمملكة الأردنية والمملكة السعودية، وشاه ايران، وفي العديد من الحسابات حتى اسرائيل اعطت التمويل والتدريب والأسلحة الى الملكيين اليمنيين والقبائل اليمنية ضد مصر ، ودعم السوفيت الضباط اليمنيين ، خسر الملكييون بعد عقد من الزمان تقريبا من القتال الذي اودى بحياة اكثرمن 20000 جندي مصري ، وظهرت الأنظمة العربية مهزوزة لصعوبة القتال في اليمن الوعرة.

تعلمت المملكة العربية السعودية الدرس مرة أخرى في عملية عسكرية ضد المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن عام 2009، والتي قيل فيها ان النيران الصديقة اصابت بعض القوات السعودية. ومع اظهار اليمن نفسها حاليا عاجزه على نحو متزايد أو غير راغبة في السيطرة على تنظيم القاعده في شبه الجزيرة العربية وغيرها من القوى المتطرفة، كثفت المملكة العربية السعودية أستعداداتها من القوات الخاصة القادرة على العمل عبر الحدود في تضاريس اليمن الوعرة، وفقا لنواف عبيد امحلل السياسي، وغيره من السعوديين.
 
التوجه الإستراتيجي السعودي بالنسبة لليمن في حالة تغير مستمر، ليس فقط لأن حكومة صالح قد انهارت. جزء من ذلك يرجع الى ديناميات السلطة المتغيرة داخل النظام الملكي : ولي العهد السعودي الأمير سلطان وزع لفترة طويلة مدفوعات رعاية الى اليمن عن طريق لجنة للمملكة مختصة بشؤون اليمن، لكنه يعاني من المرض منذ سنوات، ويذكر انه تحت الرعاية الطبية في نيويورك. حسب العديد من المراقبين، الأمير نايف، المرتبط كثيرا بالشؤون اليمنية، كوزير للداخلية، ووالد مسؤول مكافحة الإرهاب في المملكة العربية السعوديه، الأمير محمد بن نايف، تولى السيطرة اكثر حول محفظة اليمن، وفقا للمراقبين الخبراء. ويعتبر الأمير نايف شديد التركيز على موضوع الأمن، ما يعني ان المملكة العربية السعودية، مثل الولايات المتحدة، قد تراها من زاوية اكثر ضيقا من اي وقت مضى من خلال منظور مكافحة الأرهاب.مع سوء الحالة الصحية للأمير سلطان ، ينظر الآن للأمير نايف كخلف مرجع للملك عبد الله.

اكد لي الأمير تركي، وكيل الشؤون الخارجية، ان المدفوعات السعودية عبر لجنة الأمير سلطان قد تم تعليقها في ربيع هذا العام.

قال حميد الدين انه منذ ذلك الحين استؤنفت بعض المدفوعات السعودية، مع ذلك، الى بعض الزعماء القبليين اليمنيين، وقال لي جمال خاشقجي، المحلل السياسي المقرب من العائلة المالكة، ان اليمنيين لا يزالون يحصلون على الدعم المالي السعودي بمن فيهم عائلة الأحمر القوية، التي تقود اتحاد حاشد القبلي في اليمن. كان آل الأحمر اساميين في قتال المتمردين الحوثيين الشيعه في شمال اليمن، وفي دعم المعارضة ضد صالح، وقتال القوات الموالية لحكومة صالح في العاصمة اليمنية.

يصف السعودييون المدفوعات المختلفة لليمنيين بأنها جهد لتأمين خدام مصالح المملكة العربية السعودية ومحاولة لنقل المساعدات الى اليمن ، البلد الأكثر فقرا في شبه الجزيرة العربية، بطريقة لايمكن كشطها بواسطة نظام صالح الفاسد المعروف.

يقول الأمير تركي عن الرواتب :” هي وسيلة لمساعدتهم ، واليمنيون عموما والحكومة المركزية . نحن لانرشوهم .الرشوة لاتجلب لك الإستقرار”.

يخشى القادة السعوديون من تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة ومقدار اكبر من الإتجار غير المشروع بالأسلحة والمتطرفين في شبه الجزيرة اذا استمر انهيار اليمن . وقال الأمير نايف عن اليمن :” وجود حكومة قوية امر ضروري بالنسبة لنا”.

وقال خاشقجي عن اولئك الذين يستلمون المحسوبية :” دعونا نسميهم اصدقاء المملكة العربية السعودية. المملكة تدفع لهم المال بسخاء ليقدموا خدمات متنوعة مثل النفوذ والحماية والإستقرار . هذا ما يهم المملكة العربية السعودية “.
 
في الواقع، قالت باربرا بودين، السفيرة الأمريكية السابقة في اليمن ، ” حصل السعوديون على القليل جدا مقابل اموالهم، لكن لديهم معضلة أنهم لا يستطيعون قطعها مرة واحدة. اليمن يحتاج الى المال، وبدون ذلك، سوف ينهار على الأرجح “.

صالح نفسه يحكم بنفس الطريقة من خلال نظام محسوبية خاص، مسخرا ثروة اليمن للنخب لإبقائهم الى جانبه، سادا بذلك متطلبات التنمية لمؤسسات الدولة خلال هذه العملية .

عدم التركيز على بناء الحكومة ، بما في ذلك الفشل في بناء نظام ضريبي فعال ، يعني ان كل من يخلف صالح ” سيكون بحاجة للسعودية 110% “. هكذا قال فرناندو كارفاخال ، الخبير في العلاقات السعودية اليمنية في جامعة ف» اكستر في بريطانيا . ستحتاج اليمن الى المال السعودي ” لإعادة الهيكلة وبناء شبكة محسوبية جديدة “.

وأشار كارفاخال الى انه بالنتيجة يبدو ان المتنافسين على السلطة يقومون بدفع الخط الذي يعتقدون انه سيربط السعوديين المحافظين مع تصريح اعضاء من التحالف الرسمي لأحزاب المعارضه للصحفيين ان الديمقراطية تعتبر مغامرة ليست اليمن مستعدة لها تماما.

المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، والبلدان الأخرى في جميع انحاء العالم اللاتي تعهدن بتقديم مساعدات الى اليمن ، يتكلمون عن فتح قنوات للتنمية والمساعدات مع اليمن بعد اتضاح مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي.
 
في الوقت الراهن ، على الرغم من ان الجميع ينتظر تنحي صالح ، اذا كان سيفعل على الإطلاق ، وعد صالح من سريره في المستشفى ، الملك عبد الله ، في اتصال هاتفي الشهر الماضي ، انه سيوقع اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي ، وفقا للأمير تركي ، (لكن صالح قد تراجع عن الوعد نفسه للآخرين على الأقل 3 مرات من قبل ، ويتوقع احد المسؤولين ان زعيم اليمن سيحاول العودة الى اليمن ، حتى اذا اضطر لسحب نفسه ” على كرسي متحرك “).

وتوقع الأمير تركي انه لن تكون هناك مشكلة بالنسبة لنجل الرئيس صالح واولادة، الذين رفضوا تسليم القصرالرئاسي وقواتهم الموالية في حالة غياب الرئيس صالح، قال ذلك، وعمل اشارة انطلاق بيدة ” ياأولاد يالله”.

الأبعد من ذلك، قال الأمير انه لا توجد لدى عائلة آل سعود رغبة بالزج بأنفسهم في اليمن، وذكر الأميرحكاية تحذيرية أخرى عن اليمن في ايام الملك عبد العزيز : في الثلاثينيات، دخل ابناء الملك سعود وفيصل اليمن في نزاع مع الأئمة الذين كانو يحكمون اليمن آنذاك. فيصل، في حماسة شبابه، سابق بقواته بعيدا الى الساحل اليمني ، ودعا والده للأستفادة من تتقدمه العسكري .
” لا، انسحب الى الحدود”، يقال ان الملك عبد العزيز وجه ابنه العنيد بذلك. وأضاف هذا هو اليمن ، لا تبق ابدا في اليمن “.

نشر في مجلة ” فورن بوليسي ”

ألأمريكية بتاريخ 5-7-2011

زر الذهاب إلى الأعلى